رئيس التحرير
عصام كامل

وراء كل مهرجان.. انكسار (1)

فى سنة 1926، كانت مصر تتجرع مرارة فشل ثورة 19 والإنقلاب على دستور 1923، وذلك بعد ثورة عظيمة ضحى فيها الشعب بكثير من نبلائه أملا فى حياة كريمة ودولة مستقلة، لذا كان طبيعيا أن تكون هناك إنتكاسات أخلاقية وقيمية وثقافية، وتجسدت أدنى درجات الإنحطاط حينها فى أغاني ساقطة شبه جنسية يخجل القلم من رسم حروفها..

 

اقرأ ايضا: الرضا والفول

 

ولكن ولأننا دوما ننسى المرض ونتذكر العرض المصاحب له فقط، ونلصق دوما الانحطاط بفئات بعينها دون غيرها لأسباب انتقائية، طبقية واجتماعية ثقافية وأحيانا دينية، نسينا أن الست أم كلثوم أو الآنسة كما كان يطلق عليها فى هذا الزمان شاركت فى هذا الإسفاف بأغنية شهيرة جدا بعنوان الخلاعة مذهبى!

 

اقرأ أيضا: غزوة البرقع

 

المثير للدهشة وللتفكر أيضا وإعمال العقل هو أن من كتب كلمات هذه الأغنية الخليعة أو ما يمكن أن نطلق عليه (مهرجان الخلاعة) للأنسة أم كلثوم كان الأستاذ يونس القاضى، ولمن لا يعرفه، يكفيك أن تعلم  أنه هو نفس الرجل الذى ألف النشيد الوطنى بلادى بلادى الذى نتغنى به رسميا حتى الآن، وربما تزداد دهشتك عندما تعلم أن من لحن لكوكب الشرق مهرجان الخلاعة كان الدكتور، نعم طبيب، صبرى النجريدى ابن الإقليم المحافظ حينها طنطا!

 

اقرأ أيضا: أن تكون "سنباطيا"!

 

لم يكن هؤلاء (سرسجية) أى جهلاء هامشيون فقراء من مناطق عشوائية وفق المصطلح الشعبى السائد الآن، بل كانوا من طبقات وسطى وعلى علاقة بالأسر المرفهة أو (ولاد الناس)، وصولا للأسرة العلوية الحاكمة، طبيب ملحن، وشاعر من أسرة كبيرة بصعيد مصر وأم كلثوم مغنية الأميرات والأمراء والمفضلة لدى الكبار..

 

اقرأ أيضا: كيف تصبح مثقفا حداثيا تنويريا مهلبيا!

 

لكنه الانحطاط وغياب القيمة بعد كل انكسار عام ووأد للأحلام فى حياة كريمة قوامها المساواة والعدل، إنه الانحطاط الذى ألقت بخبثه أسباب سياسية واقتصادية بحتة أدت إلى تجهيل وإفقار وتضييع للقيمية من حياة الناس، حتى أصبحت المادة هى القيمة الوحيدة التى يجب ان يلهث الجميع وراءها بأية طريقة كانت، مسفة، متدنية، مبتذلة، او حتى عاهرة.. كل هذا لا يهم، المهم هو الحصول على المادة وصولا لتأمين مالى يضمن لك العيش بأمان وتقدير واحترام، حتى وإن كان احتراما مبعثه النفاق والتربح !

 

اقرأ أيضا : روائع الخيانة في السينما المصرية (1)

 

ثم تمر سنوات وتغنى أم كلثوم من كلمات طبيب أيضا، هو ابراهيم ناجى، واحدة من أجمل القصائد بالعربية وهى الأطلال، وننسى أن ذلك حدث لأن مصر كانت تمر بمرحلة انحياز اجتماعى للققراء المهمشين جعل من التعليم المجانى سلما للارتقاء الطبقى والثقافى، ومع أنه لم يدم طويلا إلا أنه أنتج إبداعا راقيا فى كثير من المجالات، لكنه لم يدم طويلا فمع انكسار الهزيمة فى يونيو 67، وجدنا أفلاما قميئة قبيحة فاجرة مثل حمام الملاطيلى للمخرج الكبيرصلاح أبوسيف، الذى قبلها كان قد أخرج فجر الإسلام!

 

اقرأ أيضا: روائع الخيانة في السينما المصرية (3)

 

وكانت مرحلة ما بعد 67 وصولا لمنتصف السبعينيات مرحلة الأفلام الأقذر فى تاريخ السينما المصرية، ويكفيك أن ترى نجمات يتعرين تماما فى مجتمع المفترض أنه متدين ويدين أغلبه بالاسلام الذى يحرم الخبائث، وبعضه يدين بالمسيحية الدين الروحانى الذى يقلل دوما من شهوات الجسد، ورغم ذلك، كان مشهد البار فى كل بيت فى تلك الأفلام كفيلا بجعل المتلقى يشعر بأن الخمر كالماء والهواء بالنسبة للمواطن المصرى!

 

أشرب خمور وحشيش !

ثار نقيب الموسيقيين الأستاذ هانى شاكر على تلك الكلمات فى مهرجان بذىء أثار ضجة للمدعو حسن شاكوش، مع ان أغلب كتاب السيناريو جعلوا من الخمور طقسا شبه يومي فى حياة المصريين على مر السنين، ومنذ أيام رحلت فنانة كبيرة كانت بطلة لواحد من أكثر الأفلام بذاءة وإباحية فى السبعينيات..

 

اقرأ أيضا : روائع الخيانة في السينما المصرية (2)

 

وذلك بالاشتراك مع المطرب الشهير فى فيلم أبي فوق الشجرة، ولم ينتقد أحد دورهما لأسباب إنتقائية شبه عنصرية، مع أن الكأس لم يفارقهما مع القبلات طوال أحداث الفيلم، ولكن لانه عبد الحليم حافظ معبود الطبقة الوسطى ولانها الراحلة نادية لطفى القريبة من السادة التنويريين لم ينتقد أحد تلك المشاهد المسفة، والتى تعادل على الأقل بذاءة مهرجان شاكوش وأمثاله ممن ابتلينا بهم مؤخرا، ولكننا جميعا صنعناهم على مدار سنوات، فهى بضاعتنا ردت إلينا كما سنوضح فى الجزء الثانى من المقال بإذن الله .

fotuheng@gmail.com

 

الجريدة الرسمية