رئيس التحرير
عصام كامل

أنا و"نوبل" وهواك!


رغم أن ظاهرة: "الجوائز لا تذهب غالبًا إلى من يستحقونها" من إفرازات العالم الثالث، وإنتاج مصرى حصرى، إلا أنها تحولت في السنوات الأخيرة، إلى عدوى اجتاحت العالم الأول، وتمددت وتوغلت حتى وصلت إلى كواليس الجائزة الأرفع عالميًا، وهى جائزة "نوبل".


في مصر مثلًا.. معلومٌ للجميع التربيطات التي تتحكم في جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، وما في مستواها. النسخة الأخيرة شهدت جدلًا عارمًا عندما ذهبت إحدى الجوائز إلى مثقف فقير الإنتاج محدود الإمكانيات، ولكنه يعرفُ كيف تؤكل الكتف بأقصر الطرق وأقل مجهود.

وقبل سنوات لم يخجل القاطنون في المجلس الأعلى للثقافة من منح جائزة الدولة التقديرية لـ "سيد القمنى"، الذي بنى شهرته على الطعن في الأديان السماوية والأنبياء والكتب المقدسة، قبل أن يتم سحبها منه بـ "حُكم قضائى مشهود". لذا.. فإنه يجب علينا أن نخجل من اتهام جائزة "نوبل"، بأنها تخضع للأهواء والميول، وأنها مُسيسة بامتياز، ليس لأنها ليست كذلك، ولكن لأنه لا يصح أن نأمر الناس بالبر وننسى أنفسنا، وهذا أمرٌ قرآنىٌّ صريح.

هناك أرقام وإحصائيات دالة وكاشفة بخصوص جائزة "نوبل"، ربما يكون من أكثرها غرابة أن 10.5% من الحاصلين على الجائزة بين عامى: 1901-2000 من الملحدين واللا أدريين. فيما بلغت نسبة الملحدين واللاأدريين من الحاصلين على جائزة "نوبل" للآداب وحدها 35%، وأن العرب الحاصلين عليها يمثلون أقل من 1% منذ إنشائها قبل 118 عامًا!!

وبعيدًا عن إثارة الغبار حول جوائز "نوبل" كل عام، والطعن في القائمين عليها، والتشكيك في نزاهتهم، حتى لو كانوا دون المستوى، وكانوا مُوجَّهين، وتتحكم فيهم الأهواء، وتقودهم الأغراض، ويفتقدون إلى الموضوعية، وحتى لو منحوها يومًا ما لليمنية "توكل كرمان"، فإنه يجب علينا أن نصلح من أنفسنا، خاصة على صعيد الجوائز وكواليسها، ونلتزم بالمعايير والضوابط الحاكمة، حتى لا يزهدها الناس، ويغمزوا ويلمزوا في أصحابها.

التعيينات بالجامعة مثلًا لا تخضع للكفاءة المُطلقة. قد تكون الأعلى تقديرًا، ولكن منصب "المعيد" يدير ظهره لك، ويذهب طوعًا إلى "ابن العميد" أو المسئول النافذ المتنفذ. قبل 25 عامًا تقريبًا.. حصل ابن مسئول رفيع على تقدير "مقبول" فقط بكلية "الحقوق" بجامعة القاهرة، فتم تعيينه معيدًا بالكلية المناظرة بجامعة "بنى سويف" فترة قصيرة، قبل أن يعود مجددًا إلى جامعة القاهرة ثم يصبح وزيرا في وقت لاحق.. وقِسْ على ذلك كل شئ في مصر.. نعم كل شيء، لا وجود للموضوعية، ولا انحياز للكفاءة، ولا حضور للنزاهة، ثم نطالب بها غيرنا بل ونزايد عليه وكأننا نحن الأبرار الأطهار!

نعم.. "نوبل" قد تكون جائزة موصومة، أو مُسيسة، أو مشبوهة، هناك دراساتٌ وأبحاثٌ ليست قليلة أثبتت شيئًا من ذلك، ولكن ما لا شكَّ فيه.. أن جوائزنا المحلية ليست أفضل حالًا من "نوبل" وأخواتها، بل يشوبها الغرض، وتغيب عنها العدالة، فلننظر إلى أنفسنا أولًا، قبل توزيع الاتهامات يمينًا ويسارًا على غيرنا، ولنحافظ على النزاهة في شؤوننا كلها، قبل أن ننشدها من الآخرين.
الجريدة الرسمية