رئيس التحرير
عصام كامل

«آلة زمن» من سوق الجمعة


في الصباح الباكر، استيقظ عبده، فتحمم ثم تناول فطوره على عجل، وخرج من منزله مرتديا الجينز وتي شيرت أسود بلون الدوائر التي تبروز عينيه، قاصدا سوق الجمعة بمنطقة السيدة عائشة. في الطريق استقل الميكروباص، منحشرا في الكنبة «اللي ورا» مع ثلاثة ركاب آخرين، كلما حاول أحدهم أن يخرج من جيبه الأجرة زغد صاحبنا في جنبه..


لم يظهر عبده ألما وهو يتلقى الزغدة تلو الأخرى، إلى أن انعطف السائق فجأة، فاندلق صديقنا على الزبون الراكب إلى جواره، ما دفع الأخير إلى أن ينهره وينعته بلفظ يخدش حياء الرجل قبل الفتاة.. وصل عبده إلى السوق، فغاص في بطنه باحثا عن ضالته المنشودة، إلى أن اهتدى إلى رجل قصير القامة بكرش منتفخ كالبالون، ما يجعله يشبه الكرة..

هذا البائع الذي يدعى عم جمعة الفرارجي، وهذه ليست حرفته، فهو لا يبيع الدواجن ولا البيض، لكن «الفرارجي» لقب عائلته، التي تخصصت في جلب الروبابيكيا من البيوت والحارات، لإعادة بيعها في الأسواق.

عبده: صباح الخير
جمعة: هو أنت داخل مدرسة.. اخلص ياض عاوز إيه؟

عبده: ألاقي عندك آلة زمن مستعملة بس تكون بحالة كويسة!
جمعة: لا والله لسه مطلع آخر حتة من شوية..

عبده: طيب مفيش حاجة جيالك قريب؟
جمعة: بص أنا هديلك حاجة حلوة..

عبده: إيه ده؟؟
جمعة: مصباح عيلاء الدين ومعاه حاجته..

عبده: حاجته؟
جمعة: أيوة.. البساط السحري والجزمة أم بوز بتاعة عيلاء..

عبده: عيلاء مين؟
جمعة: عيلاء الدين يا عم الحاج بتاع «الميسباح».. بص ده هيحقق لك أمنية واحدة هما كانوا تلاتة بس عيلاء خد اتنين منهم.. خده وهكرمك في السعر.

عبده: كام يعني؟
جمعة: شوف عاوز تدفع كام ومش هنختلف.

مقابل 730 جنيها حصل عبده على مصباح علاء الدين، وحين بدأ في دعكه ليخرج الجني سمع صراخا من داخل المصباح:
الجني: ما بوراحة يا عم!
خرج الجني مصحوبا بالدخان وهو يتوجع من غشم عبده وهو يدعك المصباح، الذي تسبب في إصابة أفخاذه بالتسلخات والالتهابات، ثم صاح وهو يتأفف..

الجني: حرام عليك سلخت فخادي.. نعم يا سيدي أؤمرني..
عبده: آسف والله ما كانش قصدي..

الجني: ولا يهمك يا ذوق بس اخلص وحياة أمك علشان سايب العيال وحدهم في المصباح جوه..
عبده: مش هطول عليك بس عم جمعة قال إنك هتحققلي طلب..

الجني: جمعة مين..
عبده: الفرارجي..
الجني: بتاع الناصرية؟

عبده: لأ بتاع سوق الجمعة..
الجني: آه عارفة الراجل ده بس محبوش..

عبده: ليه بس؟!
الجني: راجل إتم كده متعرفش جايب الرخامة دي منين.. أصلا هو كان شاري المصباح لنفسه ولما دعكه خرجت أقوله شوبيك لبيك طلب مني طلب غريب..
عبده: طلب إيه لا مؤاخذة؟

الجني: خلاص بقى ربك حليم ستار.. المهم أنت عاوز إيه؟

عبده: شوف أنا مش هطول عليك بس أنا عاوز آلة زمن..
الجني: طيب وليه اللفة دي ما اللي هتعمله بآلة الزمن أنا ممكن أحققهولك وتخلص..

عبده: لأ معلش انا عارف بعمل إيه محدش له دعوة..
الجني: خلاص يا عم الحاج حقك عليا.. أقسم بالله انتو بني آدمين تجيبوا الشلل..

عبده: هو المفروض ما أقولكش بس علشان أنت حبيبي هقولك، شوف يا برنس أنا معايا أول عن آخر 389 جنيه، وعاوز أرجع لسنة 1920 اشتري بيهم فيلا في الزمالك وعزبة في الفيوم واكتبهم باسم جدي، بعدها أرجع للزمن اللي احنا فيه وأورثهم أبقى غني وأعمل كل اللي نفسي فيه.. و..

الجني: بس بس يا عمنا خلاص أنت هتصدعنا!! يا سحلوب يا دحلوب هات المطلوب..

في ثانية أحضر الجني آلة زمن قديمة، ثم عاد إلى المصباح سريعا، وهنا بدأ عبده يتفحص الآلة ثم غاص داخلها وضبط المؤشر على العام 1920، وهناك قابل بعض الأعيان والبشوات واشترى من أحدهم فيلا في منطقة الزمالك، ثم سافر إلى الفيوم فاشترى عزبة ممتدة تضم أراض وزراعات وأشجار فاكهة ممتازة..

انتهى عبده من المهمة فدخل آلة الزمن ثم أدر المؤشر على العام 2019 غير أن أمرا غريبا حدث، فتعطل المؤشر وأخذت الآلة تتخبط وتتأرجح مثل فيل زوران، ثم هدأت واستقرت ففتح عبده الباب ونزل من آلته فوجد نفسه بين مجموعة من الفلاحين الذين يحملون في آياديهم فؤوسا وعصيا، والذين ما إن رأوه حتى انهالوا عليه ضربا، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة قال لهم إنه له طلب واحد، فسمحوا له بالكلام، فهمس بصوت خافت..

عبده: هو احنا سنة كام؟
نظروا له باندهاش ثم قالوا في نفس واحد:
الفلاحون: أنت من أعداء الثورة يا جدع أنت؟!
تركه الفلاحون قبل أن يموت، بعدما قال أحدهم إنها ثورة بيضاء لا دم فيها، وراحوا يغنون «خمس فدادين.. فدادين خمسة»، وهنا ظهر جني المصباح..

العفريت: ما قلتلك عاوز إيه وأنا أحققهولك لازم تعمل فيها فلحوس!
عبده: أبوس إيدك رجعني زي ما كنت.
الجريدة الرسمية