رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«حتى أنت يابروتس» إذن فليمت قيصر..أنهى «بروتس» حياة «يوليوس قيصر» غدرًا رغم أنه كان صاحب الفضل على روما وبانى نهضتها


في مسرحية «يوليوس قيصر» للكاتب ويليم شكسبير.. يقع قيصر على الأرض ينزف بدمائه من طعنات المتآمرين الذين دعوه في مجلس الشيوخ، وعند كل طعنة كان يتلقاها قيصر كان وجهه جامدا خاليا من المشاعر لا يعبر سوى عن ألم طفيف انتابه من الوخزات التي أصابت جسده، لكن في لحظة فارقة تغيرت ملامح وجهه في دهشة مذهلة رسمت خطوطها على وجهه عندما تقدم منه صديق عمره «بروتس» ليطعنه الطعنة القاتلة، حينها أصبحت الوخزات الطفيفة طعنات قاتلة، فتحشرج صوت يوليوس قيصر وهو ينظر بأسى وألم إلى صديقه قائلا: «يا الله أيمكن أن يحدث هذا ؟ بروتس صديقى يطعننى بخنجره من الخلف ؟ هذا هو الخنجر الذي أهديته له في إحدى المناسبات؟!» وأغمض قيصر عينيه حتى لا يرى الحقيقة المؤلمة وهو يقول: «حتى أنت يا بروتس؟»، فأجابه «إنى أحبك لكنى أحب روما أكثر»، فرد قيصر قائلا: «إذن فليمت قيصر».


يوليوس قيصر.. واحد من أبرز رجال روما، وأهم الشخصيات العسكرية الفذة في التاريخ، تفوق في مجالات حياته وتعليمه وقيادته لجيش بلاده، فكان سياسيا محنكا وقائدا عسكريا ناجحا، كما اشتهر كخطيب وكاتب، وأدى دورا مهما في تحول الجمهورية الرومانية إلى الإمبراطورية الرومانية، وهو أول من أطلق على نفسه لقب «الإمبراطور»، وخلفه العديد من الأباطرة والحكام الذين تبنوا اسمه، ويُضرب به المثل حتى الآن في الحكم والقيادة الصائبة، وهو صاحب الفضل في أن تصبح روما مركزا لإمبراطورية واسعة إلا أنه لقي نفس مصير الزعماء الناجحين من المؤامرة والقتل، على يد أقرب أصدقائه.

حياته
ولد جايوس يوليوس قيصر وسط عائلة أرستقراطية عريقة من أشراف الرومان في 13 يوليو 100 ق.م، وعاصر في مراهقته عهد الحرمان من حماية القانون الذي فرضه الحاكم ماريوس، وعهد دكتاتورية سولا، إلا أنه لم يكن طفلا عاديا بل ظهرت عليه في سنواته الأولى معالم نالت الإعجاب حيث اتصف بالذكاء والكرم والجود والعطاء والنبل والشجاعة والوضوح والصراحة، وتناول الأمور بصور لا تخلو من الجدية اللافتة للانتباه في الوقت الذي لم يهتم فيه أقرانه بما يجرى من حولهم.

وفى سن العشرينيات لم تجرفه حياة المرح واللهو وانخرط في الحياة السياسية والعسكرية فحاز بشهرة كبيرة، وفى سن الأربعين تم تعيينه حاكما لثلاث ولايات، وبقيادته جيش مكون من ثلاثة آلاف جندى اجتاح به أوربا الغربية وخاض العديد من الحروب، كما تمتع بالقدرة على نسج علاقات اجتماعية متنوعة مع مختلف رجال روما ما أكسبه قدرا كبيرًا من التقدير والاحترام لدى الأهالي.
انضمَّ قيصر إلى الحياة السياسية منذ بداياته، حيث اتبع خطى عائلته في معاداة حكم الأقلية المتمثل في مجموعة الأعضاء النبلاء في مجلس الشيوخ، فأودع في السجن لفترة قصيرة، وساند الحاكم بومبى كمؤيد له عام 71 ق.م، وشكل قيصر وبومبى وكراسوس أول حكومة ثلاثية.

وانشغل قيصر بقيادة حملاته في التسع سنوات التالية في بقاع مختلفة من العالم شملت توسعة نفوذ روما إلى كل من بلاد الغال «فرنسا» وسوريا ومصر وغيرها، وتم تعيينه حاكما لإسبانيا ثم قنصلا، ثم عُين بعد ذلك حاكما على بلاد الغال، وتمكن من الوصول لقصر روما الحاكم بعد أن نشبت العديد من الخلافات بينه وبين بومبى وكراكوس جعلتهم يعقدون لقاء فيما بينهم في لوكا عام 56 ق.م، لحل تلك الخلافات، إلا أنها لم تنجح وأنتجت العديد من الحروب الأهلية، وتم تعيين بومبى قنصلا وحيدا عام 52 ق.م بعد موت كراكوس، الأمر الذي نتجت عنه حرب أهلية وهزيمة لجيش بومبى في إسبانيا عام 45 ق.م ثم عاد قيصر بعد ذلك إلى روما ليكون حاكمها الدكتاتورى المطلق.

حاول قيصر تحسين ظروف حياة المواطنين الرومان، وزيادة فعالية الحكومة، وجعلها تتبنى مواقف تنم عن صدق وأمانة أثناء فترة حكمه، وأعلن في عام 44 ق.م عن جعل دكتاتوريته المطلقة حكمًا دائمًا على روما، تمكن من إخماد الحرب الأهلية، وسيطر على الفتن المنتشرة والثورات التي دامت مائة عام، بعد أن حطم خلالها كيان الطبقة الأرستقراطية.

جعل قيصر مجلس الشيوخ أشبه بمجلس استشارى له، ورفع عدد أعضائه من ستمائة عضو إلى تسعمائة، وكان معظم الأعضاء من رجال العمال، والمواطنين البارزين في المدن الإيطالية أو مدن الولايات الرومانية، والجنود وأبناء العبيد.
وأدخل النظام البيروقراطى في الدولة بأن وضع الشئون الكتابية في الحكومة ودقائق الأعمال الإدارية في أيدى من كان في بيته من المحررين والرقيق، وسمح لمجلس الشيوخ أن يختار نصف كبار الحكام في المدينة، واختار هو النصف الباقى بطريق التوصية، واضعا بذلك أول أسس الديمقراطية، وراقب بنفسه شئون المدينة كلها على اختلاف أنواعها، وقضى على كل ما كان فيها من عجز وفساد.

هواياته
وكانت لقيصر العديد من المواهب منها الكتابة والتأليف، وله العديد من الكتب المشهورة آنذاك في روما، كما كان ذا رأفة تجاه أبناء البلاد التي كان يفتحها فلم يكن قيصر وحشيا.
وتعددت علاقات قيصر النسائية مع معظم نساء أعضاء مجلس الشيوخ وأبرزهن زوجة كاتو، ومع أم بروتس، وتزوَّج بكورنليا سنيليلا التي أنجب منها جوليا قيصر، وبومبيا سولا «ابنة بومبي»، وكالبورنيا بسونيس، وملكة مصر كليوبترا السابعة التي أنجب منها بطليموس الخامس عشر الملقب بـ«قيصرون»، وآخر فرعون لمصر، كما تبنَّى أغسطس قيصر.

اغتياله
وبعد الانتصارات التي حققها يوليوس قيصر في خارج روما، قرر العودة إليها، وحينما علم النبلاء بذلك رأوا الفناء يحل بهم عند عودته، فعزموا على قتله، في نفس العام الذي أعلن فيه عن جعل ديكتاتوريته المطلقة حكمًا دائمًا على روما، ما أدى لاغتياله، تحديدا يوم الثالث عشر من عام 44 ق.م.

قتل يوليوس قيصر في آخر حياته غدرا بالرغم من كل ما أنجزه لشعبه وبلده، ولكن الطمع والجشع وحب السلطة والثروة قادوا المقربين منه للتخطيط لاغتياله، فحتى لا يُتهم شخص واحد بقتله اتفقوا على أن لكل واحد من قاتليه طعنة يجب أن يطعنه إياها فيتفرق دمه.

وكان آخر من طعنه أحب أصدقائه إليه ومحل ثقته، والشخص الأقرب إلى قلبه «بروتس» حتى قيل إنه كان ابنا له لكثرة ما أغدق عليه، ومنحه من الأوسمة والمناصب، وكان بروتس أحد المقربين للقيصر، وكان رجلا كريم الخلق سمحا يحبه الجميع، لكن برغم حبه ليوليوس كان حبه لبلاده لا يقدر، وهو ما لعب عليه كاسيوس، الرجل الذي قاد عملية الاغتيال.

فقد عقد يوليوس اجتماعا مع مجلس الشيوخ الرومانى لمناقشة بعض قضايا الدولة وهو ما علم به كاسيوس فاجتمع مع كل أعداء يوليوس وتوجهوا لمنزل بروتس وأقنعه كاسيوس بأن يوليوس خائن لوطنه وأنه يدبر مؤامرة كبرى على الوطن ويجب التخلص منه، واتفقوا أن يستغلوا اجتماع يوليوس مع المجلس ويطعنه كل منهم طعنة، حتى يتفرق دمه بينهم ولا يُعلم من قتله.

وفى صباح اليوم التالى تجمع الناس بكثرة أمام مجلس الشيوخ، ليكونوا في استقبال يوليوس قيصر حين وصوله، فوصل القيصر ومن خلفه بروتس والمتآمرون، تقدم كاسيوس من القيصر واستوقفه، توقف يوليوس فانحنى أمامه كاسيوس وحَيّاه ثم أخرج خنجره وطعنه في رقبته، ثم بدأت الطعنات تتوالى، وكان آخر من طعنه بروتس، سقط يوليوس على الأرض ثم رفع عينيه إلى بروتس وقال له: «حتى أنت يا بروتس».

وبحسب المؤرخ اليونانى «بلوتارخ» فإن بروتس وقف على جثة يوليوس وقال: «لم أقتله لأنى أحبه قليلا ولكن حبى لروما أكثر كثيرا».
بحجة حب الوطن، وباسمه وتحت رايته قتل بانى الوطن، وصانع نهضته زورا وبهتانا، وكانت كلمة قيصر الأخيرة «إذن فليمت قيصر» قمة في السخرية من جلاديه وقاتليه، وبنفس الوقت قمة في التضحية والتفاني، وكان لسان حاله يقول إن كان هذا في سبيل الوطن فقد سامحت غدرك وخيانتك يا «بروتس»، وإن لم يكن زعمك صحيحا فلتعذب روحك في الجحيم، وإن كان الغدر بى فيه تقدم للوطن، فقد أمضيت عمرى كله في سبيل رفعته، فلن أبخل بروحى الآن عليه.
Advertisements
الجريدة الرسمية