رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

قدسية رمضان وإباحة سرقة الكهرباء!

كل عام وحضراتكم بخير وسعادة بمناسبة شهر رمضان الكريم، ذلك الشهر الذي يأتي بالروحانيات وتطهير الأنفس من الآثام والشرور، وهو الشهر الذي تغل فيه مردة الشياطين، لكن يبدو أن مردة الإنس لا تغل فيه ولا تلتزم بتعاليمه وقدسيته، ويتخذون منه وسيلة لتحقيق أهدافهم ونوازعهم الطفولية الدنيئة، فنجد مع نهاية شهر شعبان ينشط مثل هؤلاء لتعليق الزينات..


وهذا لا شيء فيه وإن كان إسرافا مذموما، لكنه في النهاية لا يحمل الضرر للوطن والمواطنين، أما الشيء المذموم حقا فهو تعليق أفرع اللمبات الكهربائية الكبيرة في الشوارع بصورة مكثفة وعشوائية، وسرقة التيار الكهربائي من الخط العمومي الداخل للمنازل قبل دخوله للشقق وخضوعه للعدادات، وهذا الأمر إنتشر بصورة كبيرة جدا هذا العام، ورغم تحذير مسئولي الكهرباء من ذلك إلا أن الظاهرة مستفحلة..

دور شرطة الكهرباء 
ويبدو أن مسئولي الكهرباء يشجعونها هذا العام، فهم يؤكدون تحذيرهم لمن يقومون بتعليق زينة رمضان وتوصيل التيار لها بطريقة غير شرعية، بأنه سيتم التنسيق مع شرطة الكهرباء لشن حملات لضبط  سارقى التيار الكهربائى والتوصيلات غير الشرعية، محذرين إياهم من أنه سيتم تحرير محاضر سرقة  تنتهى بدفع غرامة وقد تصل للحبس خاصة بعد تعديل قانون الكهرباء .
  
لكن الحقيقة التي يراها كل المواطنين أن ذلك لا يحدث مطلقا، وأن السرقة هذا العام قد جاوزت المدى، وأنها تضر بالمواطنين جميعا، فهذه الكميات المسروقة الضخمة لا توفر الاحتياطي اللازم للتيار الكهربائي مما يعرضه للانقطاع، كما أنها تساهم في رفع سعر الكهرباء والفواتير، وتتعملق الشركة على المشتركين الشرعيين وتحرر لهم محاضر في حالة سرقة التيار، وترفع من أسعار شرائح الكهرباء عليهم، وتضيق عليهم الحياة بحجة الحفاظ على الكهرباء ودفع سعرها العادل..

لكنها تتقزم مع سارقي التيار الكهربائي في كل شوارع مصر، ولا تستطيع أن تمنع هذه الظاهرة بأي وسيلة وأتحداهم في ذلك، رغم أن هذه السرقة هي إهدار صريح لمال عام، وفي كثير من الأحيان تؤدي إلى تلف الخطوط الكهربائية بالمنازل، وبعض الحرائق بسبب ارتفاع الضغط، وفي الغالب يتجنب سكان المنزل المسروق منه الكهرباء تحذير السارقين حتى لا يقعوا في مشكلات كثيرة معهم، ويتمنون أن تكون هناك حملات من شرطة الكهرباء لضبط هذه المسألة التي جاوزت الحد..

مراعاة آداب رمضان
وبما أننا في شهر رمضان المعظم، ويدعي البعض أنه شهر فضيل يُسمح فيه بذلك لإسعاد الناس، نرد بأن ذلك الشهر نفسه هو من يأمر الناس بأمر ربهم، وهو تجنب ارتكاب المحرمات بشدة في هذا الشهر وليس السماح والتجاوز فيها، فنجد أنه قد استقرت الفتوى على حرمة سرقة التيار الكهربائي في كل وقت وهي في رمضان أشد حرمة؛ لأنه كان ينبغي على السارق أن يراعي حرمة الشهر الفضيل، فنجد الفتوى تؤكد على أن توصيل الكهرباء للمنزل، أو محل العمل، أو لأي غرض خاص من الخط العام مباشرة دون أن يكون هنالك عدّاد معتمد، يعدُّنوعاً من السرقة من مال عام، وهو حرام يمنع الانتفاع به، فلا بد من إدخال الكهرباء بالطرق الرسمية، وأن يكون هنالك عدّاد ليدفع المستهلك قيمة ما استهلكه من كهرباء.

فلا يجوز سرقة الكهرباء من الدولة، سواء كان ذلك بالتلاعب بعداد الكهرباء، أو بالتحايل على عدم دفع الفواتير المستحقة، أو بأي وسيلة أخرى؛ لما في ذلك من الغش والخداع وأكل أموال الناس بالباطل .
  
ويتبجح البعض بأن الدولة لا تعطي للمواطن حقه فيُباح له السرقة، فتؤكد الفتوى أنه كون الدولة لا تعطي المواطن حقه لا يبيح له سرقة المال العام، فإن هذه الموارد من كهرباء وغيرها ملك لعامة الناس، فالسرقة منها اعتداء على المال العام، وليس اعتداء على الحكومة أو مسئوليها فقط.

وقد سئلت اللجنة الدائمة  للفتوى: هل يجوز توقيف ساعة (عداد) الكهرباء أو الماء في دولة كافرة من أجل إضعاف تلك الدولة؟ مع العلم بأن الدولة تأخذ ضرائب ظالمة. فأجابت: "لا يجوز؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل"..

سرقة الكهرباء حرام
وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً: هل يجوز التحايل للامتناع عن دفع فاتورة الكهرباء أو الماء أو التليفون أو الغاز أو أمثالهما؟ علما بأن معظم هذه الأمور تتولاها شركات مساهمة يمتلكها عامة الناس. فأجابت: "لا يجوز؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل، وعدم أداء الأمانة، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ".

إذا فسرقة الكهرباء بكل صورها "حرام شرعًا وقانونًا"، لأن الكهرباء مال عام سواء كانت ملك عام أو خاص، والاستفادة من التيار الكهربائي يجب أن يكون بالطرق المشروعة، أما غيرها فيعتبر سرقة، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ" رواه مسلم، والذي يتعامل مع التيار الكهربائي بغير الطرق المشروعة لا يُحِبُّ أن يطلِعَ عليه الناس لأنه يشعر بالإثم في داخله، مؤكدًا أن دليل حرمانية الفعل وهو مقتنع به ويفعله.

وإذا أراد البعض نيل الثواب بتعليق بعض الإضاءة في الطرق للبهجة وإسعاد الأطفال الخ، فليكن ذلك من خلال لمبات موفرة وبعدد اقتصادي وفي الأماكن غير جيدة الإضاءة، وفي كل الاحوال يكون من خلال عداد الكهرباء أو بتصريح رسمي من وزارة الكهرباء كما يحدث أحيانا في بعض الأفراح.
Advertisements
الجريدة الرسمية