رئيس التحرير
عصام كامل

البر المفقود!

قيل للإمام الشافعي: أيتخاصم الرجل مع أبويه؟ قال: ولا مع نعليهما؛ فلا تجادل أمك، حتى لو كنت على حق! فإثبات الحجة على والديك عقوق حتى وإن كنت على حق.. 

فما بالنا بما يقترفه البعض في حق والديه برفع الصوت عليهما، والتطاول عليهما، وربما وصل الأمر ببعض الموتورين إلى حد التعدى عليهما بالقول أو باليد! بر الوالدين واجب قرنه الله تعالى بطاعته، فقال تعالى: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ”.. 

 

فالجنة تحت أقدام الأمهات، والوالد أوسط أبوابها.. فهل تحتاج لدليل على أنك تحتاج لرضا والديك أكثر مما يحتاجانه منك من بر وعطف ورحمة.. كثيرة هي طرق البر المؤدية إلى الجنة، وأهمها يمر عبر رضا الوالدين؛ فلا تحصروها بقبلة على جبينهما أو حتى على أيديهما، ثم يعقبها تقصير كبير وإهمال جسيم في حقهما خصوصًا إذا بلغ بهما الكبر والشيخوخة مبلغهما!

كيف تبر الوالدين؟!

بر الوالدين ليس مناوبات وظيفية، بينك وبين إخوانك، بل مزاحمات على أبواب الجنة إن كانوا أحياء أو من الأموات..  وليس البر مجرد قبلة تطبعها على رأس أمك، أو أبيك، أو على أيديهما، أو حتى على قدميهما، فتظن أنك بلغت غاية رضاهما!

البر أن تستشف ما في قلب والديك، ثم تنفذه دون أن تنتظر منهما أمرا، أن تعلم ما يسعدهما، فتسارع إلى فعله، وتدرك ما يؤلمهما، فتجتهد أن لا يرونه منك أبدًا! أن تحرص على راحة والديك، ولو كان على حساب سعادتك، فإذا كان سهرك في الخارج يؤرقهما، فنومك مبكرًا من البر بهما، حتى لو فرطت في سهرة شبابية تراها أحب إلى قلبك!


البر أن تفيض على أمك من مالك، ولو كانت تملك الملايين -دون أن تفكر- كم عندها، وكم صرفت وهل هي بحاجة أم لا، فكل ما أنت فيه، ما جاء إلا بسهرها، وتعبها، وقلقها، وجهد الليالي التي أمضتها في رعايتك.. أن تبحث عن راحتها، فلا تسمح لها ببذل جهد لأجلك، فيكفي ما بذلته منذ ولادتك، إلى أن بلغت هذا المبلغ من العمر!


البر أن تستجدى ضحكتها، ولو غدوتَ في نظر نفسك مهرجًا! لو سألت واحدًا ممن رحل والداه ماذا تتمنى.. لأجابك على الفور: أن يعود أبي وأمى إلى الدنيا؛ فأبذل في إسعادهما أقصى ما أستطيع..  فلماذا لا ندرك قيمة النعم إلا إذا فقدناها.

 


اغتنم حياة والديك أحدهما أو كليهما قبل أن يغيبهما الموت وتندم ولا ينفع وقتها الندم.. برّوا آباءكم تبركم أبناؤكم فإنما البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت.

الجريدة الرسمية